لماذا تحتاج الفرق إلى الذكاء العاطفي


يحظى العمل الجماعي بشعبية كبيرة في المنظمات، إذ تتحدث معظمها عن تجمُّع مجموعة من الموظفين للعمل معاً (العمل الجماعي)، وتخبرهم أنَّهم الآن فريقٌ واحد، وأنَّ الفريق يحدِّد نجاح أو فشل الشركة؛ وهذا صحيح، فنحن نرى ذلك في الفرق الرياضية والعسكرية والمسرحية، والتي تركِّز على مهارات العمل الجماعي خاصتهم بنسبة 95٪ من الوقت.

تقول ديان كوتو (Diane Coutu): "إن لم يكن القائد منظَّماً في إدارة الفريق وإعداده، ستصبح احتمالات الأداء الجيد للفريق ضئيلة للغاية"، وهذه حقيقة، إذ يجري تخصيص أقل من 5٪ من وقت الفرد في عالم الشركات لتعليم التواصل، في حين ينحصر 95٪ من الوقت في الأداء دون بناء المهارات المطلوبة أو ممارسة العمل الجماعي.

الواقع أنَّ كلَّ ما يجري تعلُّمه في المنظمات تقريباً يحدث بعد وقوع الأخطاء أمام العملاء، حيث تكون الأخطاء مُكلِفة لسمعة المنظمات وتحقيق الأرباح النهائية والتطور الوظيفي للفرد.

يُعرَّف الذكاء العاطفي على أنَّه: فهم وإدارة مشاعرك ومشاعر الآخرين، وهذه المهارات هي اللبنات الأساسية اللازمة للفرق حتى تعمل بأداء عالٍ.

لقد نشرت هيلاري إلفينبين (Hillary Elfenbein) -أستاذة مساعدة في جامعة بيركلي- دراسة تربط بين الذكاء العاطفي وأداء الفريق في العمل، ووجدت أنَّ الفرق التي تتمتَّع بذكاء عاطفي ​​أكبر يكون أداؤها أعلى من المجموعات التي تتمتَّع بذكاء عاطفي أقل؛ بالإضافة إلى أنَّ قدرتهم على فهم التعبيرات العاطفية لبعضهم بعضاً توضِّح 40٪ من التباين في أداء الفرق.

لقد أظهرت الدراسات واحدة تلو أخرى أنَّ الفرق تكون أكثر إبداعاً وإنتاجية عندما تتمكَّن من تحقيق مستويات عالية من المشاركة والتعاون بين الأعضاء، وأنَّ احتمالية نجاح الفريق تكون أكبر عند ظهور عمليات فعَّالة يشترك فيها الأعضاء بكلِّ إخلاص؛ ولكن هناك ثلاثة شروط أساسية لذلك:

  • الثقة بين الأعضاء.
  • الشعور بهوية المجموعة أو الاعتزاز بها.
  • الشعور بفاعلية المجموعة، وإدراك أفرادها أنَّهم أكثر فاعلية في العمل مع بعضهم بعضاً.

إليك 10 أسباب لحاجة الفرق إلى التدريب على الذكاء العاطفي والاستفادة منه للحصول على أفضل أداء:

1. شيوع العمل الجماعي في الآونة الأخيرة:

لقد ازداد الوقت الذي يقضيه الفرد في الأنشطة التعاونية والعمل الجماعي بنسبة 50 ٪ -أو أكثر- خلال العقدين الماضيين؛ وقد أصبح ما كان يُنجَز بشكلٍ فردي في الماضي، يُنجَز الآن في مجموعاتٍ وفرق.

2. العمل الجماعي صعب ويتطلَّب الممارسة والانضباط:

تكمن المشكلة في أنَّ هذه الممارسة تستغرق وقتاً ثميناً لا يريد القادة التخلِّي عنه؛ لذلك يتجنَّبونها، أو يتوقعون أنَّ يكون أعضاء المجموعة على علمٍ بكيفية العمل كفريقٍ واحد.

رغم أنَّه من السهل القيام بالأشياء بنفسك بدلاً من قضاء الوقت في تعليم الآخرين، وأنَّ العمل الجماعي صعب إلى حدٍ ما؛ إلَّا أنَّه ضروري للغاية. لكن مع الأسف، لا تُكرِّس بعض المنظمات الوقت لتعليم موظفيها الذكاء العاطفي وكيفية العمل في مجموعات.

تُظهِر الأبحاث باستمرار أنَّ أداء الفرق أقلُّ من المستوى المطلوب رغم تَوفُّر الموارد، ويرجع هذا إلى مشاكل التنسيق والتحفيز التي عادةً ما تُقلِّل من فوائد التعاون.

3. لا يعمل جميع أعضاء الفريق بأداء عالٍ:

لا تُوزَّع المبادرة والتعاون بالتساوي بين أعضاء الفريق، فقد وُجِدَ في دراسة أُجرِيت على 300 مؤسسة، أنَّ 20 إلى 35٪ من التعاون في القيمة المضافة يأتي من 3٪ إلى 5٪ من الموظفين، وهذه نسبة ضئيلة بالتأكيد.

لذا إذا أردت تحفيز الموظفين وزيادة أدائهم، يتعيَّن عليك معرفتهم جيداً؛ إذ يتطلب تحفيز ذوي الأداء المتوسط ليكونوا من كبار المساهمين معرفة نقاط قوتهم وضعفهم ودوافعهم المختلفة، فما الذي يحتاج إليه أعضاء فريقك أكثر من انتباهك؟

4. العواطف تنشط في التفاعلات الاجتماعية:

 فكِّر في الأوقات التي شعرت فيها بأنَّك وحيد ولا تنخرط في التواصل مع الآخرين؛ فربَّما قد شعرت حينها بالغضب، والإحباط، ونفاد الصبر، وخيبة الأمل، والرفض، والخيانة، والظلم، والعزلة.

تحدث كلُّ هذه المشاعر في مجموعات؛ لذلك، يُعدُّ تنظيم التفاعلات الاجتماعية أمراً بالغ الأهمية لأداء الفريق المتميز.

لقد وجد مشروع أرسطو (Aristotle) من جوجل (Google) بعد دراسة الفرق والعمل الجماعي أنَّ السلامة النفسية تشكِّل العامل الرئيس للأداء الجيد للفرق.

يتعلق الذكاء العاطفي الجماعي بالأفعال الصغيرة التي تُحدِث فارقاً كبيراً؛ فهو لا يتعلق بمناقشة متعمقة للأفكار، بل بسؤال عضو هادئ عن أفكاره؛ ولا بالوئام وعدم التعارض وضرورة محبَّة جميع الأعضاء لبعضهم بعضاً، بل بالاعتراف عندما يكون الوئام زائفاً، والتعارض غير المعبَّر، والتعامل باحترام بين الجميع".

5. المَهمَّة تسيطر على العلاقة:

تكون المَهمَّة أو التحدي في معظم المؤسسات محور التركيز، في حين يتراجع موقف العلاقات في حلِّ الأزمات اليوم.

6. السلطة تحطِّم التعاطف:

كتب جيري أوسيم (Jerry Useem) في مقال نُشِر مؤخراً في مجلة (أتلانتيك) بعنوان "تسبِّب السلطة تلفاً في الدماغ" (Power causes Brain Damage)، أنَّه: "كلَّما ارتفع المؤهل الوظيفي، زادت السُلطة، وقلَّ شعور القائد بأنَّ عليه الإصغاء إلى الآخرين، وزاد إحساسه بضرورة الوقوف ضدَّهم"؛ وقد اقتبس (جيري) مقولة عالم النفس داتشر كيلتنر (Dacher Keltner): "يتوقف ذوي السلطة عن محاكاة تجارب الآخرين؛ ممَّا يؤدي إلى "نقص التعاطف"؛ والذي يقلِّل بدوره من السلامة النفسية، ويحدُّ من إنتاج الأفكار الإبداعية".

7. نحن لا نصغِ ولا نستفسر:

يقول أحدهم: "لقد تتبَّعت العديد من الفرق التنفيذية لتقييم حل المشكلات والعمل الجماعي، وتفاجأت أنَّه بعد ساعات قليلة من المناقشة، طُرِحَت أسئلة محدودة. لم يرغب أحد بالاستفسار بقدر رغبته في الترويج لأفكاره الخاصة، ولم يكن سوى عدد قليل من الأشخاص يتابع ويصغي باهتمام".

يشعر القادة أنَّ مسؤوليتهم طرح فكرةٍ وحسب، ثمَّ سيأتي شخصٌ آخر بعد ذلك ليجعلها منطقية، أو يكاملها مع أفكار أخرى؛ وهذه الفكرة المطروحة على عُجالة هي ما نسمِّيها "فضلات الأفكار" التي يلتقطها شخص آخر.

8. القادة ليسوا مُنسِّقين:

يكمن أحد علاجات سبب عدم الإصغاء والاستفسار في أن ينسِّق القائد الاجتماع ويعطي الفرصة للجميع للتعبير عن آرائهم وأفكارهم المختلفة؛ لذلك يجب الحرص على أن يكون الجميع مسموعين، والتساؤل عمَّا إذا كنت طرحت الأفكار على عُجالةٍ أم لا، وعمَّا إذا كانت القرارات مفهومةً حقاً كي تتحول إلى أعمال.

إنَّه لمن الهامِّ إدخال عملية التواصل في وعي المجموعة حتَّى تتمكَّن من تحسينها وتنظيمها؛ لكن للأسف، لا يملك القادة عادةً هذه المهارات، وغالباً ما يقودون الاجتماع؛ مما يُصعِّب قيادة جدول الأعمال وخلق الذكاء العاطفي في الفريق.

9. إنَّ عملية اتِّخاذ القرار مُبهمة:

قد يتطلب كلُّ قرار عملية مختلفة ومعرفة لكيفية اتِّخاذ هذه القرارات، وهذه إحدى المحادثات الطبيعية التي قد لا تحدث بين أعضاء الفريق.

مثلاً: من الذي يتخذ القرارات؟ هل تُتخَذ بالإجماع؟ أم بتوافق الآراء؟ أم بحُكم الأغلبية؟ أم من قبل الخبراء؟ هل لدى الفريق قواعد وإرشادات للأعضاء؟ وهل يمارسون القيادة بالتناوب؟

10. تجنُّب المحادثات الصعبة:

إنَّه لمن السهل للغاية تجنُّب هذه المحادثات على أمل أن تتولَّى الموارد البشرية هذا الأمر دون الذكاء العاطفي، والذي يسمح لك بالاستعداد لمحادثات صعبةٍ ومتوترة، والإصغاء إليها وحلها.

هناك طريقة بنَّاءة للتعامل مع الصراع ومحاولة إدارته، والتي تتطلب الكثير من كفاءات الذكاء العاطفي.

قد يساعدك تقييم الذكاء العاطفي لنفسك في معرفة الجوانب التي يحتاج فريقك إلى تحسّينها.

المصدر